لقاء مع الشعراء والرواديد | سماحة الشيخ محمد صنقور
لقاء العلامة الشيخ محمد صنقور للرواديد والشعراء
الجمعة 4/رمضان/1445 الموافق ل 15/03/2024
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وخاتم النبيين، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الأخيار الأبرار، الذين أذهب اللهُ عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. اللهم أخرجنا من ظُلمات الوهم، وأكرمنا بنور الفهم، وافتح علينا أبواب رحمتك، وأنشر علينا خزائن علومك. أُحيّيكم أيُّها الإخوة الإعزاء، وأُحيّي حُضوركم وأتشرَّفُ باللقاءِ بِكُم، وأُبارِكُ لكم هذه الليالي الشريفة الفاضِلة؛ التي شرّفها اللهُ عزَّ وجلَّ على سائر الليالي، ليالي العِبادة والانقطاع إلى الله جلّ وعلا، أسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يُشرِكَنا في صالح أعمالِكُم، وأودُّ أن أتحدَّثَ معكم، وأنّ أتذاكرَ معكم عدداً من الشؤون المرتبطة بالموكب والمنبر والمناسبات الدينية.
دور الرّادود والشّاعِر:
من المعلوم لديكم أيّها الإخوة الكرام ما للرادود والشاعر من أثرٍ بليغ في شأنين أساسيّين:
الشأن الأول: المجتمع: وهو المُستهدف الأول من جميع فعاليّاتكم وأنشطتكم، من أدائِكُم وكلماتكم، المُستهدف الأول هو المجتمع؛ الغرض من جميع الفعاليّات؛ من القصيدة والأداء، من المُناسبة حين تُحيا؛ هو خلقُ وعيٍ دينيٍّ في المجتمع، وكذلك ربطُ المجتمع بدينه، تأصيلُ وتثقيفُ وترسيخُ علاقته بدينه، وغرضٌ آخر يقع في هذا السياق، وهو تعميقُ صِلةِ المجتمع بأهلِ البيت روّاد الدّين، فنحنُ نستهدف من القصيدة، ونستهدف من الأداء، ونستهدف من إحياء المناسبة الدينية، ونستهدف من جميع الفعاليّات التي نمارسها؛ تعميق صِلة المجتمع بأهلِ البيت عليهم السلام، ذلك لأنَّ تأكيد وتأصيل علاقتهم بالمجتمع ينتهي في المآل إلى تأصيل وتعميقِ علاقتهم بالدّين؛ لأنّهم رموز الدّين، وروّاد الدّين، ومنهم يُؤخذُ الدّين، فإذا ما عمّقنا صِلة المجتمع بأهل البيت عليهم السلام فنحنُ في الواقع نُعمِّقُ صِلة وعلاقة المجتمع بدينه، بتعاليم دينه، بضوابط دينه، بأحكام دينه، بقيَمِ دينه، بالمبادىء والتعاليم التي جاء بِها الدّين، بِمكارم الأخلاق التي أصّل لها الدين، وتمثلت في سلوك وسيرة أهل البيت عليهم السلام، كلُّ ذلك هو ما نستهدفه.
بطبيعة الحال، أيُّها الإخوة المؤمنون؛ المُتصّدي لهذا الدور الخطير ينبغي أن يكون أوّلاً واجداً لما يريد تأصيلهُ وتثبيتهُ وتعميقهُ في المُجتمع، فحينما أستهدِفُ توعية المجتمع وتعميق علاقته بأهل البيت، لا بُدَّ أن أكونَ بالدّرجة الأولى أملِكُ وعياً متميّزاً، أملِكُ علاقةً بأهلِ البيت متميّزة، أملِكُ خُلُقاً يتناسبُ وأخلاق وسجايا أهلِ البيت عليهم السلام؛ لأنّني لن أتمكّنَ من أن أصل إلى أفئدة الناس إلاّ من خلال سلوكي وسيرتي وهديي وسمتي، طبيعة شخصيّتي، طبيعة علاقتي، بعلاقاتي بأهلي، بأصدقائي، بمجتمعي، بجميع ما يتّصِلُ بي من شؤون؛ في معاملاتي الخاصّة، وفي علاقاتي العامّة، لا بُدَّ أن أكون واجداً لهذا المستوى من الوعي، ولهذا العُمق من العِلاقة بأهلِ البيت، ولهذا الهدي؛ الذي كان عليه أهلُ البيت عليهم السّلام، حينئذٍ تكون كلمتي أكثر تأثيراً، ويكونُ أدائي أكثرَ تأثيراً على المجتمع.
فإذاً المُستهدَف الأول من جميعِ الفعاليّات؛ من القصيدة والأداء، من الإحياء للمناسبات، من الفعاليات التي نقومُ بِها، ونحرصُ على إقامتها، المُستهدفُ هو المجتمع، ومِنهُ يتّضح خطورةُ وأهميّة دورِ الرّادود ودور الشّاعِر، ودور الخطيب، خطورته تنشأُ من هذا.
الشأن الثاني: واجهة من واجهات المذهب:
وهناك منشأٌ آخَر يُعطي لدور الرادود والشاعر الخطورة؛ وهو إنّنا شئنا أو أبينا، أصبح الموكِبُ الحُسيني، وأصبحت الفعاليّات الدّينية التي يتم أحياؤها، أصبحت واجهةً من واجهاتِ المذهب، وهذا ما يُلقي علينا مسؤوليّة ثقيلة جدّاً؛ وهي أن نُعطي صورةً مُشرِقةً للمذهب عند الآخر.
أكون طريقاً لإعلاء كلمة هذا المذهب الشريف، ولإعطائه وجهاً ناصِعاُ وصورةً مُشِعّةً ومُشرِقةً، حينما يكونُ أدائي، وحينما تكونُ كلماتي، وحينما تكونُ كلُّ ممارساتي وأنا بصدد الإحياء، مُناسِبةً لما تقتضيه ضوابِطُ الدّين، ولما تقتضيه آدابُ الدّين، عندنا ضوابط وعندنا آداب، ولِما تقتضيه أهدافُ الدّين وقيَمِهُ ومبادِئِهُ العامّة، حينئذٍ أكونُ سبيلاً لإعلاء كلمةِ هذا المذهبِ الشّريفِ وإعطائِه صورةً مشرقة، وقد أكونُ وسيلةً لإدخال الوهنِ على هذا المذهب الشّريف، المذهب الذي بُذلت في سبيل تثبيته وحمايته وحفظه، وفي سبيل جعلِهِ كياناً يُحسبُ له كلُّ حساب، هذا المذهب بُذِلَت من أجل وصوله إلى هذا الموقع، الكثيرُ من الجهود، والكثيرُ من الدِّماء، آتي وعلى رُسلي ودون تأمُّلٍ وانسياقاً مع بعض الرغبات المرتجلة، فأُدخِلُ الوهنَ على هذا المذهب الشّريف من حيث لا أشعر.
ضرورة استشعار المسؤولية، وشرف تحمُّلٍها:
إذاً لا بُدَّ أن أستشعر المسؤوليّة الثقيلة التي أُنيطت بي، وتأكَّدوا أيًّها الإخوة الإعزاء إنَّ الله عزَّ وجلَّ يمنح الإنسان موقِعاً كالموقع الذي أنتم عليه، هذا الموقع الكبير الشريف؛ وهو خدمة أهل البيت عليهم السلام، هذا الموقع يُبوِّأهُ اللهُ عزَّ وجلَّ لبعض عباده، فإن أحسنوا زادهم اللهُ شرفاً، وزادهم رِفعةً عنده وهو الأهم، وبين المجتمع، وإذا تسامح وتهاون وتجاوز ولم يعبأ ولم يكترِث، ولم تشغله هذه المسؤوليّة وإنّما شغلته شؤونٌ أُخرى، يخذله اللهُ عزَّ وجلَّ، يكِلُهُ إلى نفسه، ثقوا أنَّ أداءكم مهما كان مُميّزاً فهو بتوفيقٍ اللهِ عزَّ وجلَّ، الله عزَّ وجلَّ هو الذي يمنحُ الإنسانَ التوفيقَ لِأن يكون أداؤه مُميَّزاً، لِأن تكون الكلمات التي نظَمَها مُميَّزة، ذلك بتوفيقِ الله، بمنِّهِ، بفضلِهِ، لا بُدَّ أن أستشعر هذا الأمر، فلذلك أضلُّ دائماً أشعر بالارتباط باللهِ عزَّ وجلَّ؛ حتى لا يخذُلني، لا يكلني إلى نفسي.
خطورة الاعتداد بالنَّفس:
تلاحظون العظماء؛ وعلى رأسهم عظيم العُظماء رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام، الملكات الكبيرة التي ينطوون عليها، وهم في كلِّ حينٍ، وفي كُلِّ آن، وفي كلِّ وقتٍ؛ في سجودهم، في قيامهم لله عزَّ وجلَّ، وبين قيامهم وسجودهم، يُؤكِّدون: إلهي لا تكِلني إلى نفسي طرفةَ عينٍ أبدا، لا أقلَّ من ذلك ولا أكثر، حتى بمقدار لحظة لا تكِلني إلى نفسي، إنَّ بلعم بن باعوراء أعطاه اللهُ شيئاً من الاسم الأعظم، هذه ملكة كبيرة عظيمة، فحين وكَلَهُ إلى نفسه هلك، يهلك الإنسان، قد لا يشعر أنَّه هلك، ولكنَّه هلك، لماذا هلك؟ لأنّهُ نظر إلى نفسه، فشعر بالاستقلال، وشعر أنّه قادر على أن يُؤدّي الدّور الذي كان يؤدّيه وأفضل من ذلك، هذه حالة الشّعور بالاعتداد، هذا هلاك، لأنّ من اعتدَّ بنفسه، ومن ساوره العُجبُ والشّعور بالقدرة المُستقِلّة عن الله عزَّ وجلَّ، فهذا هالك. لذلك ينبغي للإنسان المؤمن أن يستشعِر دائماً اللجوءَ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ حتى يتمكّن مِن أن يتحمّل هذه المسؤولية الثقيلة، مسؤولية حماية صورة المذهب على أن يدخل عليها شيءٌ من الوهن، أنا دائماً أكون حريصاً كلَّ الحرص على أن أُعطيَ للمذهب صورةً مشرقة، صورة ناصعة، أُحبِّب الناس إلى هذا المذهب، إلى هذا الدين، إلى أهل البيت، أُعرِّف الناس بمحاسنِ كلام أهل البيت عليهم أفضل الصّلاة والسّلام، بمكارم أخلاقهم.
ضرورة اليقضة واللقاءات:
فإذاً خطورة هذا الدّور يكمن في هذين المنشأين اللذَين أشرنا إليهما، ولأنَّ هذا الدور خطير، إذاً أحتاج إلى أن أكون يقظاً من جهة، وأن أستعين على تحصيل اليقظة الدّائمة من خلال عددٍ من الممارسات؛ أهمّها أيُّها الإخوة الأعزاء هي هذه اللقاءات، التي ينبغي أن يتنوّع أسلوبُها، أنتم تحملون دوراً مُهماً كما اتّضح وكما تعلمون، هذا الدور المهم كيف نستطيع أن نحمِلَه على أكملِ وأحسنِ وجه، حينما أكونُ وحدي، وبحسب اجتهاداتي الشخصيّة قد أُصيبُ وقد أُخطئ، قد أُفلِح وقد أُخفِق، وقد يكون نجاحي محدوداً وأنا أحرص على أن يكون نجاحي ممتدّاً متواصلاً متكاملاً ينتقِلُ من خطوةٍ إلى خطوةٍ أكمل، هذا إنّما يتم أيّها الإخوة الأعزاء بواسطة تلك اللقاءات فيما بيننا، لقاءات الشعراء فيما بينهم، ولقاءات الرواديد فيما بينهم، ولقاءات الشعراء مع الرواديد، أن تكون لقاءات جادّة، جادّة، ليست لقاءات تعارف، وإنّما جلوس لمُناقشة عددٍ من القضايا يتم الإعداد لها، وتتم مناقشتها بنحو جادٍّ وصريح، تبادل وجهات النظر؛ لتتلاقح الأفكار، النقد البنّاء؛ الذي لا ينبغي أن يستنكِفَ عنه أحد، فكلّنا خطّاؤون وكلُّنا قاصِرون، ونحن عندنا غاية نريد الوصول إليها، ومَن عنده غاية ويشعر أنّه في بعض الأمور الموصِلة لهذه الغاية فيها شيءُ مِن التعثُّر، أو فيها شيءٌ مِن القُصور، يحرص على أن يرفعَ هذا القصور، يرفع ما يمنع من التعثُّر، ما هي الوسيلة؟ أحد هذه الوسائل وأهمُّها هو جلوسُكُم فيما بينكم أنتم، كلُّ واحد يملك مستوىً من الخبرات، خبرات متعدّدة، أفكار، تجارب على مدار السّنين الطويلة، وأنتم في خدمة أهل البيت، عندكم تجارب واسعة، عندكم أفكار، عندكم رؤى، الحياة علّمتكُم الكثير من الأمور، هناك مستجَدّون في هذا الخط، يحتاجون إلى توجيهاتِكُم، يحتاجون إلى إرشاداتِكُم، يحتاجون إلى أن يسمعوا منكم، وأنتم كذلك مهما بلغتُم، فأندادُكم يملِكون ما لا تملِكون، وانتم تملِكون ما لا يملِكون.
ثِمار تبادل التجارب:
تبادل هذه الخبرات وهذه التجارب يُعطي رصانةً في العرض وفي الطرح وفي الأداء، أمّا إذا أصبح كلُّ شخصٍ كياناً مُستقِلاً، قد يدفعه ذلك إلى أن يبحث عن مستوىً أعلى في التميُّز، لكن نحن ليس غرضنا أن نبرز أشخاصاً، أن نُبرِز شخصيّات، نحن نحتاجُ أن نُبرِز مذهباً، نُبرِز ديناً، لتختفي كلُّ الشخصيّات، لتذوب كلُّ الشخصيّات، مهما تعملقتْ ومهما كبُرتْ كلُّها صغيرة أمام هذا الدّينِ العظيم، أمام هذا المذهبِ الشريف، من خلال لقاءاتِنا وتبادل هذه التجارب، وهذه الخبرات، نُعلي من أدائِنا ومن مستوى عرضِنا وطرحنا، ونكون أقدر على الوصول إلى الغاية؛ وهي تعميق وربط النّاس بدينِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وبهذا المذهبِ الشّريف، وبروّاد هذا الدّين الشّريف؛ وهم أهلُ البيتِ عليهم أفضلُ الصّلاة والسّلام.
ضرورة الجلوس ومناقشة مختلف القضايا:
الجلوس ضرورة أيّها الإخوة، ليس نافلة، هو ضرورة، تجلسون فيما بينكم مع الإعداد، هناك خمس قضايا سوف نناقشها في هذا اللقاء، نجلس، يُكلّف خمسة في عرض القضايا الخمس، ثم تتم مناقشتها من قبل الحضور للخروج بصيغة يتم البناء عليها، وهكذا في كل مرة نطرح بعض القضايا ونناقشها، بعض الأحيان القضايا ترتبط بما هو المناسب لهذا الموسم؟، ما هي القضايا التي ينبغي عرضها في هذا الموسم؟، ما هي القضايا التي ينبغي للشعراء أن يتناولوها في هذا الموسم؟ بتأصيلها، وتأكيدها، وبثِّ الوعي فيها، مثلاً بعض الأحيان نحتاج أن نناقش قضايا ترتبط بالأداء؛ أداء الرّادود، بعض الأحيان نحتاج أن نعرض قضايا تتّصل بعلاقة الرّادود بالمجتمع، كيف ينبغي أن تكون علاقة الرادود بالمجتمع، علاقة الشّاعر بالمجتمع، أيضاً نجلس لنصارِح أنفسنا: هل نحن بمستوى هذه المسؤوليّة؟ مستوى مطالعاتِنا، قراءتنا، ومستوى وعيِنا، ثقافتنا تتناسب مع حجم وخطورة الموقع الذي نتبوأُه؟، أو نحتاج أن نرفعَ من مستوانا الفِكري ومستوانا الثقافي؟، مستوانا العملي المُتّصل بطبيعة سلوكِنا وطبيعة علاقاتنا، هذه كلها قضايا ينبغي أن نتداولها فيما بيننا، تكون عندنا، لا ننتظر عناوين خاصّة ندخل في إطارها، نحن ابتداءً، هل لا بُدَّ أن يكون عندنا رابطة أو عندنا جمعية؟! لا، نحن نعرف بعضنا البعض، وسيلة التواصل ميسورة، نحن سوف نُناقِش، هؤلاء رواديدنا وهؤلاء شعراؤنا، مثلاً: نحن عندنا خمس قضايا، ست قضايا، أربع قضايا، نريد أن نناقشها على مدى خمس جلسات مثلاً، نتَّصِل مع بعضِنا البعض، ونتواصل، ثم نجلس ونتناقش، بدل الجلسات التي تكون أشبه بجلسات التعارف والمُجاملات، وإن كانت مُهمّة لتقريب ولتأليف النفوس، لكن هذه لا تكفي أيُّها الإخوة الأعزاء، هذه لا تكفي، هذه مسألة أساسية.
خطورة الدّور الذي تتحمّلونه:
المسألة الأُخرى التي تقع في السّياق، هو الإدراك لخطورة الدور الذي نحن فيه، وحتى نصل إلى الغاية من الموقع الذي نحن قد تبوأناه، والتشاور فيما بيننا، يعني بعض الأحيان في القضايا الجزئية، هذه على مستوى عام وهي الفكرة الأولى.
الفكرة الثانية التشاور فيما بيننا، أنا قرأت قصيدة وحصل عندي بعض الكلمات، أحتاج فيها إلى أن أتشاور مع الإخوة أصحاب التجربة، مع الرواديد الآخرين، مع الشعراء الآخرين، مع المشايخ، مع العلماء، كلنا نعيش جوّاً واحداً، نحتاج أن نتشاور فيما بيننا، حتى في القضايا الجزئيّة؛ لأنّني سوف أعرضها على الرأي العام.
تدقيق الكلمات قبل العَرض:
فأنا هذه الكلمات أملكها ما دام لم أُطلِقها، فإذا أطلقتُها أصبحت خارجة عن ملكي، فإذاً أحتاجُ إلى أن أُراجِعَ نفسي مرةً وأُخرى، هذا مقتضى الشعور بالمسؤوليّة؛ مقتضى الشعور بالمسؤوليّة هو أن أحرِصَ على أن يكون ما أعرضهُ مُناسباً، وهذا قد لا يتم إلاّ بواسطة التشاور فيما بيني وبين إخوتي، حتى في القضايا الجزئيّة التي قد لا نشعر أنّنا بحاجة إلى أن نتشاور فيها، فالتشاور سوف يُعطي الكثير من الأثر، أولاً: هذا يُؤلِّفُ القلوبَ، يكسُرُ حالةَ الغلواء في النّفس، وهذا يحتاجُهُ كلُّ رادودٍ وكلُّ شاعِر؛ لأنّه إذا رأى نجاحاً ثم نجاحاً ثم نجاحاً، قد يُبتلى بالغلواء، وهذا أحتاج أن أكسِرَهُ، كيف أكسُرُه؟ أُشاوِرُ من أراه أصغر مِنّي، أقلَّ مِنّي تجربةً، ولو لم يكُن من أثرٍ لهذا التشاور سوى أن يكون وسيلةً من وسائِلِ تهذيبِ النّفسِ، هذا يكفي، يكفي، وتعرِفُ أنّه إذا كسرتَ نفسَكَ أثرُك يكونُ أكبرَ في المجتمع، هذه مسألة أساسية.
ضرورة التَّناصُح فيما بيننا:
ثم إنّ هناك بعضَ الأحيانِ يتفق أن لا أُعطي رأياً إلاّ إذا تمَّ التشاور معي، لكن أنا بنفسي لا أُبادِر، هذا خطأ، عدم المُبادرةِ خطأ، نحن لا بُدَّ أن نعتبِرَ أنفسَنا كياناً واحداً، كتلةً واحدةً، غرضُنا واحِد، هدفُنا واحد، الغايةُ التي نستهدِفُها واحدة، غير مُتعددة، إذاً لا بُدَّ أن أُبادِر، أنا رأيت أنَّ هذا الشاعر ـــ في نظري على الأقل ـــ أنّه لم يوفَّق في هذه الصّياغة، أو لم يوفق في إعطاء هذه الفِكرة، أو كانت الفِكرةُ في نفسِها غيرَ صائبة؛ خاطئة، أو هي صحيحة، لكنّها لا تتناسب مع الأجواء، أنا أُبادِر، أَعرِض وِجهةَ نظري على هذا الشاعر، أقول له: أنّه ما كان ينبغي؛ حتى يلتفت مرةً أُخرى، أو أقول لهذا الرّادود: لم يكُن هذا هو الأسلوبُ المُناسب، الأسلوب اللبِق الذي يحُضُّ عليه أهلُ البيتِ عليهم السّلام. إذاً، اللقاءات والتشاور والتناصح والمُبادرة للنصيحة فيما بيننا، المُبادرة، ينتهي الرادود من قصيدته، هو بنفسه ينتظر أصدقاءَه وزملاءَه يُقيِّمون قصيدتّه، تقييمٌ قبل الأداء، وتقييمٌ بعد الأداء، ويكون على استعداد، صدرُهُ رحِب، على استعدادٍ كاملٍ لتلقّي النقذ؛ ليُحسِّنَ مِن أدائه ودؤوبه وعطائه للمرّات المُقبِلة، هذه حالات ثلاث ينبغي أن نحرِصَ عليها؛ من أجل أن نكون فِعلاً مُستشعِرين لخطورةِ الدّور الذي نتبوّأُهُ؛ لِأنَّ الإنسانَ ليس على رسلِه أيُّها الإخوة، أنت ليس لديكَ مشروع تجاري خاص بِك، إذا فشِلَ أنتَ فشِلت فقط، أو مشروعُكَ فَشِل، لتعلموا أنّه إذا فشِلَ مشروعُكُم هذا يساوِقُ فشلَ غرض يرتبط بالطّائفةِ، بالمذهبِ، بالدّين، هذا بالنسبة للنقطةِ الأولى.
التجاوزات التي تحصل في المناسبات:
أيضاً هناك نقطة أُخرى أحببتُ أن أثيرَها معكم أيُّها الإخوة، وهي ما يُعبَّر عنه بالتجاوزاتِ التي تحصل، طبعاً أنا أعرفُ إخلاصَ الإخوةِ الرّواديد، وإخلاصَ الشُّعراء، كُلّهم مُخلِصون، كلُّكُم أيُّها الإخوةُ قد لمسنا إخلاصَكم وعشقَكم للحُسينِ وحُبَّكُم، وأنتم على استعدادٍ أن تُضحّوا بالكثير؛ من أجلِ إعلاءِ رايةِ الحُسين، وأهلِ البيت عليهم السلام، هذا مِمّا لا ريب فيه، تتفاوت الرؤى، تختلف الأفكار في بعض الأحيان، لكن العشق يملأُ جوانِحَ الجميع، ولا ينبغي المُزايدة على ذلك، لا ينبغي المُزايدة على ذلك، لكن هذا العشق بعض الأحيان ليس معناه الإصابة في كلِّ شيء، كثيراً ما يُخطئ العاشِقُ في كيفيّة رعايةِ معشوقِه، فقد يُسيءُ من حيثُ يريدُ أن يُحسِن، بعض الأحيان نفس العشق هو السّبب في الخطأ؛ لأنّه يجذبُ مستوىً من التعقُّل في نفسِ العاشِق، فيشطُّ. لذلك لا بُدَّ أن يكون ملتفتاً، وعنده ضمانات ومُحصِّنات؛ تمنع من الوقوع في بعضِ الأخطاء والتجاوزات، نحن عندما نسمعُ كلمةَ التجاوزات أيُّها الإخوة، ينتقِلُ ذهنُنا إلى المُخالفاتِ الشرعيّة، إنَّ الخطيبَ أو الرّادود أو الشّاعر قد ارتكب مُخالفةً شرعيّة فيما يرتبط بإحيائه، هذه صورة من صور التجاوزات، ولعلّها لا تكون لأحدٍ منكم، حاشاكم جميعاً أن يتّعمَّدَ أحدُكُم ارتكابَ مُخالفةٍ شرعيّة، لكنًّ التجاوزات أيُّها الإخوة لا تنحصِرُ في هذا الشأن، حينما ينحرف – تعبير ينحرف يعني يبتعد، يشط، وليس انحراف بمعنى العمل السيء، هُنا- المنبر أو الموكِب أو المناسبة أو القصيدة، حينما تنحرف وتشط عن الأهداف من الإحياء فهذا نوع من التجاوزات..
اختيار الوسيلة الصحيحة لتحقيق الغاية:
أنت عندك غاية، لكن وسيلة الوصول إليها التي أعتمدتها لا توصل إلى هذه الغاية، فأنت بطبيعة الحال سوف تصل إلى جهةٍ أُخرى غير الغاية التي أردتها، فأنت قد فوَّتَّ على النّاس وعلى نفسِكَ وعلى المجتمعِ الوصولَ إلى الغاية مِن المنبر، الغاية من الموكِب، الغاية من إحياء المُناسبة، أنا غايتي كما ذكرنا هو ربطُ النّاس بالدّين، تعميقُ صلةِ الناس بأهلِ البيت، إيقافُ النّاس على مكارمِ أخلاق أهلِ البيت، على مآثرهم، على مناقبهم، أحرص على أن أبثَّ حالةً من الوعي الدّيني في أفئدةِ وأدمغةِ النّاس، أُربّي الناشئةَ على الأخلاق الفاضِلة، أعملُ على نبذِ الأخلاق السّيئة في الأوساط الاجتماعية، أليست هذه هي الغاية من الإحياء؟ كُلُّنا نُدرك أنَّ هذه هي الغاية من الإحياء، أنا إذا كان أدائي لا ينتهي إلى هذه الغاية فهذا يكون تجاوزاً، هذا تجاوز، مثلاً حينما أُحوِّلُ المُناسبةَ إلى مهرجانٍ شعبيٍّ، في ألوانه وبريقه وأضوائِهِ والمأكولات والحلويّات المُزوَّقة والمنوّقة وطريقة العرض، والممارسات غير المُنضبطة عند الأولاد والشّباب، في النهاية أنا لأبحث: هذا الذي حصل ينتهي بي وبالمجتمع إلى الغاية التي أنا رسمتُها، أو لا ينتهي، إذا رأيتُهُ لا ينتهي إلى الغاية، فهذا يعني إنّي تجاوزت، أنا ضيَّعتُ مناسبةً أهلُ البيت حثّونا على أن نُحييها؛ لنحيي الإسلام بِها، فأنا ملأتُها بأعمالٍ وأنشطةٍ وفعاليّاتٍ لا تنتهي بِهِ إلى هذه الغاية، فأنا فوَّتُّ على الدّين مُناسبةً كان يحرصُ على استثمارها، هذا نوعٌ من التجاوز.
لا تُدخِلوا ما لا يُليق بمقام أهل البيت(عليهم السَّلام):
أيُّها الإخوة الأعزاء، حينما تشتمِلُ المُناسبةُ على ما لا يليقُ بمقامِ أهلِ البيتِ؛ أهلِ الوقارِ والسَّكينة والهديِ والأخلاق الفاضِلة؛ فيكونُ أثرُ ما أعرضُهُ منتِجاً لِما يتنافى مع المقام القُدسيِّ لأهلِ البيت، فأنا أكونُ تجاوزتُ، أهل البيتِ في موقِعِ وطريقة إحيائي للمُناسبة؛ طريقة عرضي، الكلمات التي طرحتُها غير مُناسِبة لهذا المقامِ المُقدَّس، أجواء الإيمان، حماسة الإيمان، أجواء التقوى، أجواء الوَقار، أجواء السّكينة؛ التي إذا تصورنا الحُسينَ بنَ عليٍّ أو الإمام العسكري، نتصوّر؛ عندنا صورةً خاصّة إلى مثلِ الإمام الهادي والعسكري والإمام موسى بن جعفر، كتلة من القدس، كتلة من الطّهارة، كتلة من الورع، كتلة من الهدوء والسّكينة والوقار، هذا يتناسب مع موسى بن جعفر، هذا العمل يتناسب؟ لا بُدَّ أن تكون عندي مقاييس أيُّها الإخوة الأعزاء، لا بُدَّ أن يكون لديَّ مقاييس، مقياسي هو أهلُ البيت، المِعيار أهلُ البيت؛ هديُ أهلِ البيت، مكارِمُ أخلاقِ أهلِ البيت، سيرةُ أهلِ البيت، هذا المِقياسُ الذي أعرِفُ مِنهُ ما يليقُ وما لا يليق، ما يُناسِبُ وما لا يُناسِب، ما ينبغي وما لا ينبغي، ليس بصعبٍ علينا أن نعرف، استفتِ قلبَك، قلبُكَ مليءٌ بهذه الرّموز الطّاهرة المُقدّسة، انظر إليها، هل تتناسب مع هذه الشخصيات التي امتلأ بِها قلبُك؟! هذا العمل يتناسب مع هذه الشخصيّات التي هي تسكن قلبك أو لا؟ فإذا كانت لا تتناسب، إذاً أنا تجاوزت، التجاوزُ ليس المُخالفة الشّرعيّة، لا بُدَّ أن نعرف أيُّها الإخوة، عندنا ضوابط وعندنا آداب.
ليس كلُّ ما يجوز يُفعل:
لا يصُح أن تحتج علينا بهذه الحجة: أنا سألتُ المرجِعَ الأعلى؛ أحد مراجِعِنا العِظام، سألتُهُ مثلاً: عن التصفيق في المُناسبات، قال: لا بأس بِهِ في نفسِه، الفقيه لا يقدِر أن يقول لك غير هذا الشيء، هذا الاجتهاد الذي بَلَغَه ينتهي بِه إلى أن يقول: لا بأس به في نفسِه، فهو يتكلّم عن الحكمِ الشّرعيِّ في حدِّ نفسِه، حتى لو سألتَه: ما رأيُكُم يا سيدنا، يا شيخنا، ما رأيُكُم في أن يخرُجَ الرّجل بِما يسترُ عورتَهُ فقط، في الطريق؟ سيكتب لك: لا بأس بِهِ في نفسه، سيكتب لك لا بأس به في نفسه؛ لأنّه فِعلاً لا بأس به، لكن هل يليقُ بالمؤمِنِ الوقورِ العاقلِ المحشومِ المُحترمِ في المجتمع أن يخرُجَ بِما يسترُ عورتَه بين الناس؟!، رغم أنَّه جائز، وإذا أحدٌ كلَّمهُ قال: جائِز، والفقيهُ الفُلاني قال: جائز، أنا أُقلِّدُ من يقول بأنّه جائِز، ليس كلُّ ما يجوز يُفعل، خُصوصاً نحن لا نُمارِسُ عملاً شخصيّاً، نحنُ نُمارِسُ عملاً مُرتبِطاً بالشّأنِ العام، فينبغي أن يكونَ مُتناسِباً مع مقتضى الآداب والقيَمِ العامّة؛ التي حضَّ عليها الإسلامُ وحضَّ عليها أهلُ البيت عليهم السلام.
التجاوزات لا تنحصِر في المُخالفات الشرعيّة:
التجاوزات أيُّها الإخوة أنا ذكرتُها كمثال، التجاوزات لا تنحصر في المُخالفاتِ الشّرعية، التّجاوزات حينما أتُجاوز الهدف من إحياء المناسبة فأنا متجاوز، حينما لا أستطيع أن أصل بأدائي، بقصيدتي إلى الهدف أو أكون في سياق الهدف الذي من أجله تُحيا هذه المناسبة فأنا متجاوز، شِئتُ أم أبيت، تماماً كمن دخل حرباً ولم يستطع أن ينتصر، يذهب هنا وهناك، في النهاية أنتهت الحرب، انتصرت؟ لا، لم أنتصر، إذاً، أنت لم تصل للغاية، أنت دخلتَ الحرب لتنتصر، دخلتَ الحرب؛ لِتُحدِث نصراً، تتقدّم، لم تتقدّم، وكما يقولون: كأنك يا بو زيد ما غزيت، ما عملتَ شيئاً، صادفَتْنا خمسُ مناسباتٍ، كان بإمكانِنا أن نوصِلَ المجتمعَ إلى مستوىً أرفع من الوعي، أن نُساهِمَ بشكلٍ أكبر؛ في تعميقِ علاقتِهِم بأهلِ البيت، أن نبُثَّ فيهم وعياً يتَّصِلُ بضرورةِ الالتزام بهذا الخُلُق وهذا الخُلُق وهذا الخُلُق، وأنا فوَّتُّ عليهم تحصيلَ هذه الغاية، وانتهت المناسباتُ ولن تعود، ما يذهب لا يعود، أنا تجاوزت، هذا تجاوزٌ للمُناسبة، هذه مسألةٌ ثانية أحببنا أن نؤكِّدَ عليها.
مسائل لا بُدَّ من الحذر منها:
وحتى لا نُطيلٌ أكثرَ، فقط توجد نقطتان تقعُ في سياق هذا الحديث، إُشيرُ إليهم وأختم، اسمحوا لنا على الإطالة، توجد مسألتان، أو ثلاث، أُنبِّه عليها الشَّعراء بالدّرجة الأولى والرواديد بالدّرجة الثانية، وما عندنا خطباء حتى نقول والخطباء أيضاً، هذه الحمد لله، تقريباً نحن غير مبتلون بها بشكلٍ واضح، وهذا يعبِّر عن الوعي عند الإخوة الشعراء ووعي عند الإخوة الرّواديد، واقعاً وعي مُتميِّز إذا تقيسه إلى مجتمعاتٍ شيعيّة أُخرى، لكن هذا لا يمنع من أن نُحاذِر؛ لِأنَّ المُجتمعات يتأثّر بعضُهم بالآخَر، من حيث لا تشعر، إذا لم تكُن على نصيبٍ كافٍ من الوعي.
الغلو:
مسألة الغلو، الغلو سوف يهدِمُ مذهبَنا أيُّها الإخوة، سوف يهدِمُ مذهبَنا إذا لم نلتفِت، بعضُ الخُطباء في مناطقَ أُخرى – الحمد لله، أنا لستُ مُتابِعاً، لكن تقريباً غير موجودة بشكل واضح عندنا، موجود، ولكِن بشكل محدود، يطرحون، نتيجة حُبٍّ وعشقٍ، مزايدة، حُبٍّ تَميُّز، بأيِّ هدفٍ؟! لا نعرِف، لا نبحث عن النيّات، يطرحون أموراً واضحةً في الغلو، وبعضها لا تخلو من غلو في أهلِ البيت، وهذا تعرف نتيجته ما هو؟! نتيجته أن يرانا العالَمُ بأكملِهِ بأنّنا غُلاة؛ لأنَّ هذا يعتبرونه يمثِّلُ لنا واجهة ـــــ كما ذكرنا قبل قليل ــــــ واجهةَ المذهب، إذاً المُجتمع الشيعي هكذا، الفِكر الشيعي هكذا؛ غُلاة، ـــــ لا نُريدُ أن نذكرَ أمثلةً، لكِن حتماً تعلمون ووصلتكم الكثيرُ من المقاطِعِ المُعبِّرة عن غلوٍّ فاضِحٍ جدّاً، لا يمكن إغفالُه ــــ ينبغي أن نُحاذِر من أن نقعَ في هذا الفخِّ الخطير؛ لأنّنا أساساً لا نعتقد بهذه الأمور التي يطرحُها هؤلاء الغلاة، وإلاّ هم ليسوا غلاة في الواقع، وإنّما يُزايدون؛ حتى يكونَ هناكَ نوعٌ من التميُّز.
طرح ما لا يستوعبه المجتمع، ولا يتعقَّلُهُ الرأي العام:
توجد نقطة أخرى أيضاً: بعض الأحيان لا نطرح غلوّاً، نطرح أموراً يمكن أن تكونَ واقعيّة وصحيحة، لكنَّ الناس لا تستوعِبُها، ولا تتعقَّلُها، أنا ليس بمجرَّد أن أرى شيئاً يُعجِبُني ــــــ كرواية تستهويني ــــ أعرضها للملأ العام!، قد لا تكون مُتناسبة مع الرأي العام؛ لا يتعقّلُها، الإمام أميرُ المؤمنين عليه السلام يُحذِّر في بعض الأحيان من أن تطرح أمور لا يستوعبُها عقلُ الإنسان، يقول: أتُريدون أن يُكذَّبَ اللهُ ورسولُه، إذا ذكرت مثلاً قضيّة، منقبة، بعض الأحيان هذه المنقبة لا يتعقَّلُها النّاس، لا يتفهَّمُها النّاس؛ تكون سبباً في أن يتندَّرَ الآخرون بهذا المذهب، إنّهم يستخدمونها مادّةً للسّخرية علينا من جهة ـــــ رغم أنّها قضيّة جزئيّة، رواية موجودة منشورة في الكتب، لا تُمثِّلُ عقيدةً عندنا ــــــ ومن جهةٍ أُخرى شبابُنا يسمعون هذه القضيّة، يُفكِّرون أنَّ مذهبَنا قائِمٌ عليها، وإذا ألغيتها فكأنّما يلغى هذا المذهب بأكملِه، فتكون سبباً في أن يبتعد هذا المؤمن، بدل أن تُقرِّبَه من أهل البيت، أنت كنت سبباً في أن يبتعد عن أهل البيت عليهم السلام؛ لأنّكَ طرحتَ أموراً هو لا يستوعِبها، هو لا يتعقلها، هو يستهجنها، خصوصاً يستعين بطريق ـــ عن قصد أو غير قصد ـــ بتهريجِ المُهرِّجين والمُتنذرين والسّاخرين، فأنت كُن مِمَّن يطرحُ الأمور التي تُساهِم أوّلاً منطقيّا عُقلائيّاً من جهة، ومِن جهة تساهِمُ في ربط ِالناس بأهل البيت عليهم السلام.
حفظ مقام أهل البيت(ع):
لا يتلخّص مقامُ أهل البيت عليهم السلام وعلوِّ شأنِهِم بقضية هنا وقضيّة هناك، أهلُ البيت أرفع وأكبر من أن نحصرهم بمنقبة هنا ومنقبة هناك لا يتعقّلها الناس، يكفي لمقام أهلِ البيت عليهم السلام أنَّ الله عزَّ وجلَّ فرض طاعتهم على العباد، وأنّنا بكلِّ يُسرٍ نستطيع أن نثبت للعالم أنَّ الله فرضَ طاعة أهلِ البيت على كافّة خلق اللهِ عزَّ وجلَّ، بكُلِّ يُسرٍ نستطيع أن نُثبِتَ ذلك، وأنّهُم الذين يجب على العباد طاعتهم، يجب على العباد أن يطيعوهم، وأن يهتدوا بهديِهِم، وأنّهم الأئمّة الهُداة وأنَّهُم محالُّ رِضا اللهِ عزَّ وجلَّ، ومعدِنُ علمه، يكفي ذلك.
هذه الأمور لا نحتاج إلى أن نعرضها فتُساهِم في توهين مذهبنا الشريف، هذه مسألة أخيرة.
البِدَع والانحرافات، ودور الموكِب:
وكذلك مسألة البِدَع والانحرافات التي تحصل في تناول هذه القضايا في القصائد، ضرورة أيّها الإخوة، فإنَّ الموكِبَ الحُسيني هو أهمُّ منبرٍ عندنا، قد بعض الأحيان يفوقُ المنبر في داخل المأتم، ليس لأنَّ هذا أهمّ من هذا، لا، بعضُ الأحيان ظروف أقتضت هكذا، الحضور الشبابي للموكب أكبر، الإصغاء إلى القصيدة، إلى أداء الرّادود، صوته العذب، صوته الرخيم المؤثِّر، إيقاعاته، أساليبه المؤثِرة، تُساهِمُ في أن تتحوّلَ هذه الكلمات، وتنتقل مباشرةً قبل أن تصل إلى الأذن، تقع في القلب، هذا الدّور قد لا يحظى به الآخَر.
إذاً نحتاج إلى أن نستثمر هذا الدور في معالجة الأخطاء التي تطرأ في المجتمع، يطرأ انحراف، ظاهرة اجتماعيّة خاطئة، نحتاج نعالجها، نستخدم كل وسائلنا المتاحة؛ من أجل معالجة هذه المُشكلة الاجتماعية، أحد وسائلنا ومن أهم وسائلنا، هي الممكن، عندنا بدعة، مثلاً انتشرت وأصبح لها تأثير في الوعي الاجتماعي، أحتاج إلى أن أحاربها، عندي مجموعة وسائل، أحد وسائلها الموكب، فلا ينبغي أن أغفل هذا الأمر، صحيح أنَّ الموكب الحسيني يجب أن يكون طابعه العام الحزن، طابعه العام الرِّثاء، طابعه العام ذكر المأساة، وهي من أهم الوسائل لتعميق صلة الناس بالحسين عليه السلام، لكن هذا فن الرادود فن الشّاعر وأداء الرادود المُتميِّز يستطيع أن يحوِّلَ هذه القضايا ـــ التي قد تكون أحياناً جافّة ـــ يستطيع أن يحوِّلها إلى قضايا سلِسة مقبولة؛ قابلة لِأن يتفاعل معها الجمهور. لا تستصغروا أيُّها الإخوة قُدُراتِكم، أنتم تملكون تميُّزاً لا يملِكُهُ غيرُكُم، تستطيعون أن تحوِّلوا القضيّة الجافّة إلى قضيّةٍ فيها مشاعر، فيها أحاسيس، يمكن أن تترك تأثيراً مباشراً على القلوب، وعلى السّلوك؛ من حيث لا يستطيع المُتحدِّث بالمنطق وبالأدلّة وبالبراهين، لا يستطيع أن يصل إلى ما وصلتم إليه؛ من مُعالجةٍ لهذه القضية، لذلك لا ينبغي إغفالُ القضايا التي تطرأ، القضايا الاجتماعية، المشاكل الاجتماعية؛ لكن بنحوٍ تكون في سياق الغاية من إخراجِ الموكِبِ وهو رِثاءُ الحُسينِ والنعي وعرض المأساة بما يتناسبُ مع الغاية التي أشرنا لها وذكرناها، وأعتذر على الإطالة، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.