العلاقة الروحية بالإمام المهدي (عج)
العلاقة الروحية بالإمام المهدي (عج)
السيد منير الخباز
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تبارك وتعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾
قال رسول الله : ”لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لبعث الله رجلًا من أهل بيتي، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا، كما ملئت ظلمًا وجورًا“
صدق الله العلي العظيم، وصدق رسوله الكريم
إن هذين النصين يرشدان إلى أن هناك بعثين أحدهما امتداد للآخر: البعث الأول هو بعث النبي المصطفى، وهذا البعث الأول حدّد القرآن معالمه، حيث قال: ﴿بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾، فالبعث الأول رافدٌ إلى أمرين: التزكية، أي: تهذيب النفوس، والعلم، بمعنى العلم بالقرآن الكريم.
ثم جاء البعث الثاني امتدادًا للبعث الأول، فكما أن البعث الأول كان فجرًا في ظلام، فكذلك البعث الثاني سيكون فجرًا في ظلام، ”لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله“ نفس التعبير الذي استخدمه القرآن استخدمه النبي في حق الإمام المهدي «عجل الله تعالى فرجه الشريف»: ”لبعث الله رجلًا من أهل بيتي يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا“.
ملء الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا بمعنى إقامة الدولة الخاتمة، وإقامة الاقتصاد الذي يملأ المجتمع الإنساني رخاءً ونعمةً، وإقامة صراط العدل الذي ينصف الحقوق، وينتقم للمظلوم من الظالم، دولة العدالة، دولة حقوق الإنسان، دولة الاقتصاد والرخاء، دولة النعم، دولة الكون. إذن، فالبعث الثاني أكبر وأعظم انفجارًا من البعث الأول، فهو تتميمٌ للبعث الأول، وغايةٌ له، وتحقيقٌ لثمرته.
من هنا، يتساءل الكثيرون: ما هي الفائدة في اعتقادنا بالإمام الغائب؟ يمكن لنا أن نعتقد بأن هناك بعثًا في آخر الزمان، يكون امتدادًا للبعث النبوي، لكن أن نعتقد أن هناك إمامًا غائبًا حيًا يعيش على الأرض، ما هي الثمرة التي نجنيها من هذا الاعتقاد؟ وما هي الآثار التي تنعكس علينا من خلال هذا المعتقد؟
في الجواب عن هذا السؤال نقول: الأثر المترتب على الاعتقاد بوجود الإمام الغائب هو الأثر المترتب على الاعتقاد بالغيب، فالإنسان إذا اقتصر على عالم الشهادة، أي: عالم المادة، ولم يعتقد إلا أن هذه الحياة التي وُلِد فيها هي كل العالم، فالحياة هي هذا العالم المادي الذي نولد ثم نموت، وليس وراء هذا العالم عالم آخر، وليس وراء عنصر المادة عنصر آخر، ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾، إذا اعتقد الإنسان أن الحياة هي عالم المادة، من الطبيعي سوف يتساءل دائمًا عن الآثار الحسية، ما هو الأثر الحسي للحرارة؟ ما هو الأثر الحسي للكهرباء؟ ما هو الأثر الحسي للجذابية؟ ما هو الأثر الحسي للموت؟ فيركز الإنسان دائمًا على الآثار الحسية، وما ليس له أثر حسي فالاعتقاد به لا يجدي، بل هو من شأن العجائز، ومن شأن المتخلفين؛ لأن هذا المعتقد ليس له أثر حسي.
أما إذا وسّع الإنسان في أفقه، وأدرك أن وراء عالم المادة عالمًا آخر، عالم الغيب والشهادة، إذا أدرك أن وراء المادة ما يسمى بعالم الغيب، إذن بمجرد أن هناك عالمًا اسمه عالم الغيب، مقترنًا مع هذا العالم الذي نعيشه، ألا وهو عالم الشهادة، إذن الأثر في الأمور ليس هو الأثر الحسي فقط، بمجرد أن نعتقد أن هناك عالمًا غير هذا العالم إذن اعتقدنا بأن الآثار التي نتلبس بها، والتي نعيشها، والتي نلمسها، لا تنحصر في الآثار الحسية؛ لأن من يطالب بدائمًا بالآثار الحسية، يعني أنه قصر الوجود على الوجود المادي، بينما من كان له أفق أرحب، ويعتقد أن وراء هذا العالم عالم آخر، وليس العالم منحصرًا بعالم المادة.
وبعبارة أخرى: اعتقد أن الإنسان له عنصران: عنصر مادي، وهو عنصر بدنه، وعنصر ملكوتي غيبي، وهو عنصر روحه، من اعتقد أن العالم فقط هو عالم المادة اعتقد أن الإنسان جهاز مادي، كسائر الأجهزة المادية التي تتحرك نتيجة عوامل مادية معينة، فمن اعتقد بذلك من الطبيعي أن يتساءل دائمًا عن الآثار الحسية، ما هي الآثار الحسية لوجود الله؟ ما هي الآثار الحسية لوجود الإمام المنتظر؟ ما هي الآثار الحسية للإيمان؟ ما هي الآثار الحسية للعقل؟ وهكذا سوف يقتصر على الآثار الحسية.
أما بمجرد أن يعتقد الإنسان أن هذا العالم مكون من طرفين: طرف مادي، وطرف غيبي، عالم الغيب والشهادة، ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾، ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾، بمجرد أن هذا العالم له صفحتان: صفحة مادية وصفحة غيبية، إذن أوتوماتيكيًا أنت تعتقد أن الإنسان مكون من عنصرين: عنصر مادي يتصل بالصفحة المادية، وعنصر غيبي ملكوتي، وهو المعبر عنه بروح الإنسان، نفس الإنسان، ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾، وهذا متصل بالصفحة الغيبية الملكوتية.
وبمجرد أن تعتقد بهذه الثنائية – شهادة وغيب، بدن وروح – لا يجوز لك أن تقتصر على الآثار الحسية، لا يجوز لك أن تقول: ما هي الآثار الحسية للاعتقاد بالله؟ ما هي الآثار الحسية للاعتقاد بالمهدي؟ بل يجب أن تقول: ما هي الآثار الأعم من الآثار الحسية والآثار الروحية. لأن اعتقدت بالثنائية في الوجود، عليك أن تعتقد ومن الطبيعي أن تعتقد بالثنائية في الآثار، فهناك أثر مادي، وهناك أثر روحي.
وبالتالي، الاعتقاد بالإمام المهدي اعتقادٌ بالغيب، الاعتقاد بوجود إمام حي لا نراه كالاعتقاد بوجود الله عز وجل، من ينكر الاعتقاد بالمهدي لأن العقيدة المهدوية ليس لها أثر حسي سوف يضطر لأن ينكر الاعتقاد بالله عز وجل؛ لأنه ليس له أثر حسي، أي فرق بين الأمرين؟! من يقول: أنا لا أعتقد بوجود إمام حي لأنه ليس له أثر حسي، إذن يلزمه أن يقول ألا يعتقد بوجود إله؛ لأنه ليس له أثر حسي، فبالنتيجة: العقيدتان متلازمتان مترابطتان، وكلاهما من الغيب.
لأجل ذلك، الآثار التي نريد أن نتلمسها بالاعتقاد بالإمام المهدي هي الآثار التي نتلمسها في الاعتقاد بوجود الله، لا يمكنك أن تنكر أن العالم مكون من شهادة وغيب. أعظم دليل وجداني في داخل نفسك تجدك، في داخل نفسك تبصره، ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾، هناك دليل في عمق نفسك تجده يدلك على أن العالم عنصران: شهادة وغيب، ما هو هذا الدليل؟
عالم الرؤيا، إنك في عالم النوم إذا نمت ورأت روحك رؤيا، ستجد أن بعض الرؤى صادقة، ستجد أنك رأيت في المنام صورًا تحققت بعد أيام أو شهور أو سنين، ستجد رؤيا في المنام تبشرك بشيء ويحدث الذي بُشِّرت به، أو ستجد أن الرؤيا تحذرك من شيء، فإذا لم تأخذ حذرك وقعت في ذلك الشيء الذي حذرتك منه الرؤيا، ما هو هذا العالم الذي رأيته في المنام؟ مع أنه لم يغادر جسدك المنام، فما هي هذه الصور التي رأيتها ولم تتحقق بعد وإنما تحققت بعد ذلك؟ لو كانت هذه الصور مادية لكانت متحققة؛ لأن الوجود المادي ما كان متحققًا في عالم المادة، بينما أنت ترى صورًا في المنام لا تتحقق إلا بعد أيام أو بعد شهور أو بعد سنين، هذا دليل على أن هذه الصور ليست من عالم المادة، وإلا لكانت متحققة.
إذن، هذا دليل على أن ما تدركه نفسك وروحك في المنام هو من عالم الغيب لا الشهادة، هو من عالم الملكوت لا عالم الملك، هو من العنصر الآخر لا العنصر المادي، فإذا كانت الصور التي تراها في عالم الرؤيا هي من عالم الغيب إذن من رأى هذه الصور أيضًا هو من عالم الغيب، كما أن الصور هي من عالم الغيب من أدرك هذه الصور ومن رآها هو من عالم الغيب، ألا وهو روحك ونفسك، فهي من عالم الغيب لأنها أدركت صورًا من عالم الغيب أيضًا؛ لأن عالم المادة لا يمكن أن يدرك عالم الغيب، بما أن روحك أدركت الغيب، أدركت صورًا لم تتحقق إلا بعد مدة، إذن روحك أيضًا من عالم الغيب.
ومن هذا المنطلق، حيث أنك لا بد أن تؤمن بوجود غيب، لأنك مضطر أن تؤمن بأن هناك صورًا وأحلامًا لم تكن متحققة ثم تحققت، فإذا آمنت بعالم الغيب إذن آمنت قهرًا عليك وبشكل أوتوماتيكي أن الآثار لا تنحصر في عالم المادة، ولا تنحصر بالأثر المادي، هذه الرؤيا التي رأيتها في المنام، وتحققت بعد أيام، ما هو أثرها قبل أن تتحقق؟ لم يكن لها أثر مادي، لكن كان لها أثر نفسي.
ولذلك، ورد عن الإمام الصادق : ”الرؤيا ثلاثة أقسام: بشارة من الرحمن“ استشراف نفسي ينبئك بما سيحدث لك من خير في المستقبل، ”وتحذير من الشيطان“ يأتي لك بعض الرؤى مفزعة، تحذرك بأن أمرًا مهولًا قد يحدث بعد ذلك، فاستعد له، وادفع الصدقة، حذرًا من البلاء الذي قد يقع، ”وأضغاث أحلام“. إذن، الرؤيا عندما تحدث لأنها من عالم الغيب ليس لها أثر مادي، لكن لها أثرًا نفسيًا، وهو إعداد نفسك للتفاعل مع الواقع الذي سيحدث بعد أيام أو شهور أو سنين، هذا الأثر النفسي الاستعدادي ليس أثرًا ماديًا، لكنه أثر غيبي لأمر غيبي.
من هنا نقول: عندما يسألنا أي شخص: ما هي الآثار التي نجنيها من اعتقادنا بإمام حي غائب؟ نقول: الآثار ليست هي الآثار المادية، إن هذه الآثار كآثار رؤيا المنام، إن هذه الآثار كآثار الاعتقاد بالله، هي آثار ملكوتية نفسية غيبية روحية. من هذا المنطلق نقول: أثر اعتقادنا بالإمام المهدي هو أثر اعتقادنا بالحضور الإلهي، نحن نعتقد أن لله عز وجل حضورًا إحاطيًا بهذا الكون كله، لا تشذ ذرة في هذا الكون إلا ولله قيمومية وإحاطة بها، ﴿اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾.
والاعتقاد بالمهدي هو اعتقاد بأن هذه القيمومية الإلهية، وهذه الإحاطية الإلهية، متجسدة على الأرض في شخص يعيش على الأرض، رقابة الله متجسدة في رقابة شخصية تعيش على الأرض، الحضور الإحاطي لله متجسدٌ في شخص حاضر على الأرض، فالاعتقاد بالمهدي اعتقادٌ بقيمومية الله المتجسدة في الأرض، اعتقاد بالحضور الإحاطي المتجسد على الأرض، وبالتالي فالآثار هي الآثار، ما هي هذه الآثار؟
الأثر الأول: أثر الارتداع عن المعصية.
عندما يؤمن الإنسان ويصل إيمانه إلى حد الشعور أن هناك رقابةً على سلوكه، أن هناك إمامًا بشرًا حيًا يعيش بين أظهرنا، ويشهد أعمالنا، كما ذكر القرآن الكريم: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾، والرسول شهادته تمتد في أولاده إلى الإمام المهدي «عجل الله تعالى فرجه الشريف»، عندما تعتقد أن شهادة الله عليك متجسّدةً تجسّدًا حسيًا في إمام حي يشهد أعمالك ويراقبك.
وهذا ما أشارت إليه الآية المباركة: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ﴾، لم يقل: نزلت الملائكة، بل قال: تنزل، أي أن الملائكة يستمر نزولها إلى يوم القيامة، تنزل الملائكة على من؟ تنزل الملائكة بصحائف أعمال البشر على هذا الإمام الرقيب الذي رقابته حية متجسدة على الأرض، فالشعور بالرقيب رادعٌ عن المعصية، الشعور رادعٌ عن الإقبال والإقدام على الرذيلة.
الأثر الثاني: الأمن النفسي.
الإنسان يعيش نزعة الخوف بطبعه، الإنسان يخاف من كوارث الطبيعة، يخاف من الموت، يخاف من الأمراض، يخاف من الفتن، يخاف من الفقر، وهكذا، من طبيعة الإنسان أنه يعيش نزعة الخوف، ولو أن الإنسان أصغى لنزعة الخوف لم يستطع أن يقاوم أمرًا من الأمور، ولم يستطع أن يبدع، ولم يستطع أن ينتج، ولم يستطع أن يعطي، لذلك يحتاج الإنسان إلى طاقة من الأمن، وهذه الطاقة التي تصبغ على قلبه أجواء من الأمن والاستقرار والدعة والاطمئنان، هذه الطاقة عبّر عنها القرآن الكريم بذكر الله، ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، من هو ذكر الله؟ الإمام الذي يمثل الله هو ذكر الله، لذلك القرآن الكريم يقول: ﴿قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ﴾، الرسول هو الذكر.
إذن، ذكر الله يتجسّد في هذا الإمام المتشخّص على الأرض، في زيارة الجامعة: ”السلام على محال معرفة الله، ومساكن بركة الله، ومعادن حكمة الله، وحفظة سر الله، وحملة كتاب الله“، هم ذكره لأنهم هم الذين يجسّدون عبادته الحقيقية وذكره الحقيقي على الأرض. لذلك، ذكر الله بذكر الإمام يزرع في قلبك الهدوء والاستقرار والاطمئنان؛ لأنك تشعر بأن هناك من يمدك بالحيوية والنشاط، ويبعث في قلبك الأمل، ليبدّد منك الخوف والهواجس.
الأثر الثالث: أثر الهداية.
القرآن الكريم يقول: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾، ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾، الهدى وجود تشكيكي قابل للزيادة، هناك من يؤمن بالله، ويصلي، هذه درجة من الهداية، هناك من يصلي خاشعًا في الصلاة، ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾، هذه درجة أعلى من الهداية، الإنسان الخاشع في صلاته يشعر بأن هناك طعمًا لذيذًا لا يشعر به غيره، ألا وهو طعم المناجاة مع الله، طعم لقاء الله، طعم الوقوف بين يدي الله، هذا الإنسان يعيش درجة من الهداية لا يعيشها غيره، غيره يصلي الصلاة الروتينية الحركية الصورية، لذلك لا يشعر بطعم حب الله، ولا يشعر بطعم لقاء الله.
أما الذي يقف بين يدي الله خاشعًا، هؤلاء يشعرون بأن الرابط بينهم وبين الله له تأثير لذيذ ناعم على نفوسهم، فهم يشعرون بحالة من المحبة، وبحالة من الثقة بالنفس، وبحالة من الفرح، لا يشعر بها غيرهم، وهذا ما يركّز عليه القرآن الكريم: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ هذا الأثر السابق، وهو أثر الاطمئنان، ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ هذا هو الأثر الذي نتحدث عنه، ألا وهو أثر ازدياد الهداية.
المهتدون لا يشعرون بحزن، لا يشعرون بغم؛ لأن محبة الله التي يشعرون بلذتها وبحلاوة طعمها ملأت قلوبهم وجوانحهم، وكلما ازدادت درجة الهداية ازدادت درجة المحبة في النفس. لأجل ذلك، من كان له تعلقٌ بالإمام المهدي «عجل الله تعالى فرجه الشريف» يتصدق عن الإمام المهدي، يصلي للإمام المهدي، يطوف عن الإمام المهدي، يصوم عن الإمام المهدي، يقرأ دعاء العهد، يقرأ دعاء الندبة، من له علاقة خاصة بالإمام المهدي سوف يشعر بهذا الطعم، سوف يشعر بأنه يتدرج ويترقى في نور الهداية، وأن هناك محبة لذيذة الطعم، يعيشها في نفسه، هذه المحبة لله وللإمام المهدي لأنه مظهرٌ لله يعيش على الأرض.
العلاقة بالإمام المهدي والاعتقاد بوجود الإمام المهدي يزرع درجةً من المحبة في النفس تعيش لذتها وحلاوة طعمها، فتنفي عن نفسك الأحزان والأكدار، مهما طرأت عليك المصائب والنوائب تشعر في نفسك بحالة من البهجة، بحالة من اللذة، بحالة من النعمة؛ لأنك تعيش حب الله، لأنك تعيش الحب الحقيقي لله من خلال العلاقة الودية التي تعيشها مع الإمام المهدي «عجل الله تعالى فرجه الشريف»، ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾، والمودة للقربى لها درجات ومراتب، من أعلاها: الشعور بالمحبة التي تربطك بالإمام المهدي «عجل الله تعالى فرجه الشريف».
إذن، أنت تحتاج إلى آثار ملكوتية غير الآثار الحسية، من هذه الآثار الملكوتية التي تحتاج إليها في هذا العالم: أن تعيش رادعًا داخليًا عن ظلم الناس، عن غيبة الناس، عن الاعتداء على الناس، وهذا الرادع إنما يتولد إذا اعتقدت بوجود رقيب يشهد أعمالك، أنت تحتاج إلى أن تعيش اطمئنانًا، من لم يعش اطمئنانًا في نفسه لا يمكنه أن يبدع ويعطي، وهذا الاطمئنان الذي يبدّد منك الخوف من كوارث الطبيعة، من الأمراض، من الأوبئة، هذا الاطمئنان إنما يزرعه ذكر الله، ومن مظاهر ذكر الله الاعتقاد بالإمام المهدي، فإنه مظهر ذكر الله عز وجل.
أنت تحتاج إلى أن تعيش حالةً من البهجة والمحبة، تزيل عنك الغموم والأكدار، مهما طرأت عليك، وهذه الحالة يغذّيها لقاء الله، لقاء الخشوع والخضوع، وهذه الحالة يغذّيها مناجاة الإمام المهدي سرًا في خلواتك، تناجيه، تخاطبه، تتقرب إليه، من أجل أن يمنحك هذه الحالة من البهجة والمحبة، التي تزيل عنك الخوف والأكدار. إذن، هناك آثار عظيمة للاعتقاد بالإمام المهدي «عجل الله تعالى فرجه الشريف»، وهذه الآثار العظيمة هي التي عبّر عنها الإمام المهدي عندما سئل عن فائدة غيابه، قال: ”إن فائدة غيابي كفائدة الشمس تسترها السحاب“.