إشعاعات البعثة النبوية الشريفة
إشعاعات البعثة النبوية الشريفة
مقدمة
البعثة هي ثورة عارمة ضد الجهل والضلال والفساد، البعثة هي ميلادٌ للنور وموت للظلام، البعثة ذكرى للقرآن الكريم والقرآن الكريم ذكرى للبعثة، البعثة عيد للمسلمين، البعثة هي اللطف الإلهي الأعظم على الوجود، البعثة لا يأس معها ولا يأس مع البعثة، البعثة هي تفتح زهرة الرحمة وإنبعاث عطرها الفواح، البعثة هي إشعال السراج المنير.
مفهوم البعثة
أ- استعمالات القرآن الكريم للجذر بَعَثَ:
1- بعَث الشخص: أرسله، قال تعالى: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ}(1). وقال (عزّ وجلّ) في آية آخرى: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}(2).
2- بعثه من النوم: أيقظه. قال (سبحانه وتعالى): {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ}(3).
3- بعَثَ اللهُ الخلقَ: أي أحياهم بعد موتهم، قال تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(4). وفي آية آخرى يقول تعالى: {وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ}(5).
وهناك استعمالات لغوية أخرى لم يتطرّق لها القرآن الكريم ولذلك نتركها، إذاً البعثة متضمّنة لمعنى الإرسال والإيقاظ والإحياء.
ب- البعثة تتكون من العناصر التالية:
1- الباعث (الله -عزّ وجلّ-).
2- المبعوث (الرسول -الأعظم صلّى الله عليه وآله-).
3- المبعوث به (الرسالة العالمية الخالدة – القرآن الكريم ).
4- المبعوث له (الجن والإنس).
5- المبعوث لأجله (الهداية).
تساؤلات حول البعثة
لماذا تمّ اختيار الرسول محمد (صلّى الله عليه وآله) لِيُبعث بهذه الرسالة الخاتمة؟
الجواب: بما أنّ رسالة الإسلام هي الرسالة العالمية الخالدة المسيطرة والمهيمنة على كلّ الديانات السماوية السابقة، فإنّها تحتاج إلى شخصيّة فذّة تليق بها وقادرة على القيام بتبليغها، والدعوة لها على أكمل وجه، وتحتاج إلى شخصيّة حائزة على كمالات عالية.
ولا يوجد في هذا الوجود من هو أكثر لياقة وأفضل وأنسب لهذه المهمة العظيمة والخطيرة غير الرسول الأعظم محمد (صلّى الله عليه وآله)، لذلك وقع عليه الاختيار كرسول لهذه الرسالة وكخاتم للرسل.
لماذا تم اختيار ذلك الزمان والمكان؟
قبل الإجابة نجيب على سؤال آخر للتمهيد للإجابة على هذا السؤال، وهو متى يبعث الله الرسل بشكل عام؟
يجيبنا الإمام علي (عليه السلام) «لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اَللَّهِ إِلَيْهِمْ فَجَهِلُوا حَقَّهُ، وَاِتَّخَذُوا اَلأَنْدَادَ مَعَهُ، وَاِجْتَالَتْهُمُ اَلشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ، وَاِقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ، فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ»(6).
ولكن بعثة الرسول الأعظم محمد (صلّى الله عليه وآله) تختلف من حيث الكم فكان في زمان ومكان بعثتِه الأوضاع أكثر انحرافاً وفساداً على المستوى العقدي وعلى المستوى الأخلاقي، وأشار إلى ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبٍ له في نهج البلاغة حيث قال: «وَأهْلُ الأرْضِ يَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ، وَأَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ، وَطَرَائِقُ مُتَشَتِّتَةٌ، بَيْنَ مُشَبِّهٍ للهِ بِخَلْقِهِ، أَوْ مُلْحِدٍ في اسْمِهِ، أَوْ مُشِيرٍ إِلَى غَيْرهِ، فَهَدَاهُمْ بهِ(الرسول) مِنَ الضَّلاَلَةِ، وَأَنْقَذَهُمْ بمَكانِهِ مِنَ الجَهَالَةِ»(7).
وقال (عليه السلام) في خطبة أخرى: «أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ اَلرُّسُلِ، وَطُولِ هَجْعَةٍ مِنَ اَلأُمَمِ، وَاِعْتِزَامٍ مِنَ اَلْفِتَنِ، وَاِنْتِشَارٍ مِنَ اَلأُمُورِ، وَتَلَظٍّ مِنَ اَلْحُرُوبِ، وَاَلدُّنْيَا كَاسِفَةُ اَلنُّورِ، ظَاهِرَةُ اَلْغُرُورِ، عَلَى حِينِ اِصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا، وَإِيَاسٍ مِنْ ثَمَرِهَا، وَاِغْوِرَارٍ مِنْ مَائِهَا، قَدْ دَرَسَتْ مَنَارُ اَلْهُدَى، وَظَهَرَتْ أَعْلاَمُ اَلرَّدَى، فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لأَهْلِهَا، عَابِسَةٌ فِي وَجْهِ طَالِبِهَا، ثَمَرُهَا اَلْفِتْنَةُ، وَطَعَامُهَا اَلْجِيفَةُ، وَشِعَارُهَا اَلْخَوْفُ، وَدِثَارُهَا اَلسَّيْفُ»(8).
وقد بين أمير المؤمنين (عليه السلام) ذلك في كثير من خطبه، ولمن أراد والاستزادة عليه الرجوع لنهج البلاغة:
1- ج1: الخطبة:1 ص44، والخطبة:2 ص47-49، والخطبة:26 ص88-89، والخطبة:88 ص184-185، والخطبة: 94 ص214، والخطبة:148 ص300-301.
2- ج2 الخطبة:164 ص339، والخطبة:189 ص391، والخطبة:190 ص408، والخطبة:194 ص423، والخطبة:196 ص428-429.
أهداف البعثة: (لماذا بعث الله (عزّ وجلّ) الرسول (صلّى الله عليه وآله) برسالة الإسلام؟)
الأهداف العامة من بعثة كلِّ الأنبياء والرسل:
1- التوحيد العبادي والصفاتي والأفعالي:
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ}(9).
2- الشهادة:
قال (عزّ وجلّ): {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا}(10). وفي آية أخرى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}(11).
3- التأكيد والتذكير -بالله (عزّ وجلّ) وبنعمه وأيامه-:
قال (سبحانه وتعالى): {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }(12). وقال أيضا: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ}(13). وفي نهج البلاغة: «ويُذكِّروهُم منسِيَّ نِعمتِهِ»(14).
4- إتمام الحجة:
قوله تعالى: {رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}(15). ويقول علي (عليه السلام): «ويحتجُّوا عليِهم بِالتّبليغ»(16)، ويقول (عليه السلام) أيضاً: «بَعَثَ اللهُ رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ وَحْيهِ، وَجَعَلَهُمْ حُجَّةً لَهُ عَلَى خَلْقِهِ. لِئَلاَّ تَجِبَ الْحُجَّةُ لَهُمْ بِتَرْكِ الإعْذَارِ إليْهِمْ»(17).
5- التبيين والتوضيح والهداية والإرشاد:
يقول عز من قائل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(18).
ويقول أيضا: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}(19).
6- التبشير والإنذار:
{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ}(20).
7- إظهار لقدرة الله تعالى:
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «ويُرُوهُم آياتِ المقدِرةِ»(21).
8- القيادة في المجالات الاجتماعيّة والسياسيّة و القضائيّة:
قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ……}(22). وقوله أيضاً: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ……}(23).
9- تبليغ الرسالة:
قال تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا * إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلَاغُ….} (24). وفي النهج يقول (عليه السلام): «أخذَ علَى الوحِي مِيثاقهُم، وعلى تبِليِغ الرسالةِ أمانتهُم»(25).
10- واسطة الفيض الإلهي:
يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(26).
وتقول الزهراء (عليها السلام) في خطبتها: «وإنفاذا لمقادير أمره»(27)، وعن الإمام الرضا (عليه السلام): «فَاِن قالَ قائِلٌ: فَلِمَ وَجَبَ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَةُ الرُّسُلِ وَالإِقْرارُ بِهِم وَالإذعانُ لَهُم بِالطّاعَةِ؟ قيلَ: لأِنـَّهُ لَمّا أَنْ لَمْ يَكُنْ في خَلْقِهِمْ، وَقُواهُم ما يُكْمِلونَ بِهِ مَصالِحَهُم وَكانَ الصّانِعُ مُتَعاليا عَنْ أَنْ يُرى، وَكانَ ضَعْفُهُمْ وَعَجْزُهُمْ عَنْ إِدْراكِهِ ظاهِرا، لَمْ يَكُنْ بُدٌّ لَهُمْ مِنْ رَسولٍ بَينَهُ وَ بَيْنَهُمْ مَعْصومٍ، يُؤَدّى إِلَيْهِم أَمْرَهُ وَ نَهْيَهُ وَأَدَبَهُ، ويَقِفُهُمْ عَلى ما يَكونُ بِهِ اجْتِرارُ مَنافِعِهِمْ وَمَضارِّهِم»(28).
11- إحياء القيم:
يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}(29). وهذه الآية لا نخصصها بالرسول الأعظم محمد (صلّى الله عليه وآله) وإن كان هو مقصودها لما سبق من معنى البعثة فتشملهم لأنهم أيضا مبعوثون.
12- تلاوة الآيات:
يقول سبحانه: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ}(30)، ويقول تعالى في آية أخرى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}(31).
13- إقامة القسط:
قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}(32)، وفي آية أخرى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُون}(33).
* الأهداف من بعثة الرسول الأعظم محمد (صلّى الله عليه وآله) بشكل خاص
رحمة للعالمين:
والآية الكريمة تصرح: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(34).
خاتم النبيين:
وهو من ضروريات الدين: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُم وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}(35).
إتمام مكارم الأخلاق ومحاسنها:
يقول تعالى مخاطباً نبيه (صلّى الله عليه وآله): {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(36)، ويقول (صلّى الله عليه وآله): «إِنّما بُعثت لأتمّم مکارم الأخلاق»(37)، ويقول (صلّى الله عليه وآله) في حديث آخر: «بعثت بمکارم الأخلاق ومحاسنها واستتمامُ المعروف أفضل مِن ابتدائه»(38)، ويقول الإمام الصادق (عليه السلام): «عَلَيكم بمكارم الأخلاق فإنّ الله (عزّ وجلّ) بعثني بها»(39)، وفي رواية أخرى: «بَعَثَ اللهُ محمّداً…يأمرُ بمحاسنِ الاخلاقِ»(40).
إتمام النعمة:
جاء في التوقيع المبارك لصاحب الزمان (عجّل الله تعالى فرجه الشريف): «ثم بعث محمداً (صلّى الله عليه وآله) رحمةً للعالمين، وتمّم به نعمته»(41).
للتربية والتزكية:
جاء في الكتاب الكريم {وَيُزَكِّيهِمْ} في ثلاث آيات(42)، و{وَيُزَكِّيكُمْ}(43).
ويقول تعالى مخاطبا الناس: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(44)، وكل هذه الآيات المقصود منها الرسول الأعظم محمد (صلّى الله عليه وآله)، بل لم أجد ما يشير الى الأنبياء والرسل، وإن كانت هذه وظيفة كل الأنبياء والرسل.
تعليم الكتاب والحكمة:
يقول تعالى في ثلاث آيات كريمات: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}(45)، وفي آية أخرى: {وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ}(46).
أيضا أدوات التعليم نستطيع أن نقتبسها من القرآن الكريم وهي: سورة القلم، والقرآن الكريم كتاب، معنى القرآن في الأصل هو القراءة، وأول الآية نزلت (إقرأ)، والتلاوة.
إظهار الدين:
قال (عزّ وجلّ): {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(47).
رسولا لكافة الناس:
يقول تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً}(48). وفي التوقيع المبارك للإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف): «وختم به أنبياءه ورسله إلى الناس كافّةً»(49).
إتماماً لوعد الله تعالى:
تقول الزهراء البتول (عليها السلام) في خطبتها: «ابتَعَثَهُ اللهُ إتماماً لأمرِه»(50)، ويقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّداً رَسُولَ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله) لإِنْجَازِ عِدَتِهِ وَ إِتْمَامِ نُبُوَّتِهِ مَأْخُوذاً عَلَى النَّبِيِّينَ مِيثَاقُهُ مَشْهُورَةً سِمَاتُهُ كَرِيماً مِيلادُهُ»(51)؛ إذ أنّ الله (عزّ وجلّ) وعد بإرسال الرسول الأعظم محمد (صلّى الله عليه وآله) على لسان أنبيائه السابقين الذين أخذ الله (عزّ وجلّ) عليهم ميثاقه بتعظيمه والتبشير به.
للقيام بمهام الرسالة العالمية الخالدة المهيمنة على كل الأديان للياقته التي كان يتمتّع بها:
تبين ذلك فاطمة الزهراء (عليها السلام) فتقول في خطبتها: «اخْتَارَهُ قَبلَ أَنْ أَرْسَلَهُ، وَسمَّاهُ قَبلَ أَنِ اجْتَبَاهُ وَانتَجَبَهُ، وَاصْطَفَاهُ قَبلَ أَنِ ابتَعَثَهُ، إذِ الخَلائِقُ بِالغَيْبِ مَكْنُونَةٌ، وَبِسِترِ الأهَاوِيلِ مَصُونَةٌ، وَبنِهَايَةِ العَدَمِ مَقرُونَةٌ، عِلْماً مِنَ اللهِ تَعَالى بمآيِلِ الاُمُورِ، وَإحَاطَةً بحَوادِثِ الدُّهُورِ، وَمَعْرِفَةً بموَاقعِ الاُمُورِ»(52).
المنّ على المؤمنين:
قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ}(53).
إمضاءا لحكمة الله تعالى:
تقول الزهراء (عليها السلام): «ابتَعَثَهُ اللهُ إتماماً لأمرِه وَعَزِيمَةً علَى إمضَاءِ حُكْمِهِ»(54).
البعثة وتغيير خط التاريخ
قبل البعثة: من المعلوم أنّ الرسول الأعظم محمد (صلّى الله عليه وآله) لم يُبعث في أوّل عمره الشريف المبارك وذلك ليس لقصور فيه بل لتهيئة المقدمات للناس حتى يتقبلوا الرسالة بسلاسة(55).
بداية البعثة:
أ- متى بدأت بعثة الرسول الأعظم محمد (صلّى الله عليه وآله)؟
المعروف والمجمع والمتفق عليه عند الشيعة الاثني عشرية أنّها كانت في السابع والعشرين من رجب الأصب لوجود جملة من الروايات الواردة في تعيين تاريخ البعثة وما فيه من أعمال مستحبة مثل الصيام وغيره.
منها: ما رواه الشيخ الصدوق (بسند معتبر) عن الحسن بن راشد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال في حديث طويل: «لا تدع صيام يوم سبعة وعشرين من رجب، فإنه اليوم الذي نزلت فيه النبوة على محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وثوابه مثل ستين شهراً لكم»(56).
أمّا عند أهل السنة فيوجد بينهم خلاف كثير والأقوال هي:
في 27 من رجب الأصب: ولديهم روايات في ذلك، منها: ما أورده الحلبي في سيرته عن الدمياطي في سيرته عن أبي هريرة قال: «من صام يوم سبع وعشرين من رجب، كتب الله تعالى له صيام ستين شهراً، وهو اليوم الذي نزل فيه جبرئيل على النبي بالرسالة، وأول يوم هبط فيه جبرئيل»(57).
في شهر رمضان: واختلفوا فيما بينهم على هذه الأيام: 17-18-19-20-24-25، وهو بسبب الخلاف بينهم في ليلة القدر ظنّاً منهم أنّ نزول القران الكريم في ليلة القدر هو بداية البعثة بدليل الآية {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}، ولا يخفى أنّ النزول الدفعي كان في ليلة القدر على قلب الرسول الأعظم محمد (صلّى الله عليه وآله)، وأنّ النزول التدريجي هو بداية البعثة.
في شهر ربيع الأول: واختلفوا فما بينهم على هذه الأيام: 3 – 8 – 10 – 12، ولا أعلم الوجه في ذلك.
ب- مكان البعثة:
يحدثنا التاريخ أنّ بداية البعثة هي عندما كان الرسول الأعظم محمد (صلّى الله عليه وآله) في خلواته مع الله تعالى وفي الأربعين من عمره المبارك وفي غار في جبل حراء، جبل من جبال شمال مكة، (وبعد ذلك سمّي الجبل بجبل النور، والغار بغار حراء).
ج- كيف كانت بداية البعثة؟ (أول الآيات النازلة)
لقد تلازمت البعثة مع نزول آيات من القرآن الكريم، بل كان نزول هذه الآيات علامة على بداية البعثة، ولكن يوجد هناك آراء مختلفة في أول الآيات نزولاً، والأقوال هي عبارة عن:
1- أوّل خمس آيات سورة العلق: هو ما عليه جملة من المؤرخين: المسعودي – ابن هشام – ابن الاثير – الطبري – اليعقوبي. ومن المفسرين الشيعة: التبيان – مجمع البيان – الميزان – الأمثل. ومن المفسرين السنة: الطبري – الدر المنثور – أنوار التزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي) – تفسير القرآن العظيم. ومن علماء القرآن والحديث: الإتقان – التمهيد في علوم القرآن – البرهان.
وأهم دليل على ذلك ما رواه الكليني عن الصادق (عليه السلام) قال: «أوّل ما نزل على رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * إِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ… }، وآخره: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّهِ والفَتْحُ… }»(58). ولعلّ المراد نزول آيات خمس من أوّلها لا جميع السورة.
2- سورة الفاتحة (بعتبار أنّها فاتحة الكتاب). 3- سورة المدثر.
بعد البعثة:
في الماضي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته القاصعة: «ولَقَد قَرَنَ اللّهُ بِهِ (صلّى الله عليه وآله) مِن لَدُن أن كانَ فَطيما أعظَمَ مَلَكٍ مِن مَلائِكَتِهِ، يَسلُكُ بِهِ طَريقَ المَكارِمِ، ومَحاسِنَ أخلاقِ العالَمِ، لَيلَهُ ونَهارَهُ، ولقد كانَ يُجاوِرُ في كُلِّ سَنَةٍ بِحِراءَ، فَأراهُ ولا يَراهُ غَيري، ولَم يَجمَع بَيتٌ واحِدٌ يَومَئِذٍ فِي الإسلامِ غَيرَ رَسولِ اللّهِ (صلّى الله عليه وآله) وخَديجَةَ وأنا ثالِثُهُما، أرى نورَ الوَحيِ وَالرِّسالَةِ، وأشَمُّ ريحَ النُّبُوَّةِ، ولَقد سَمِعتُ رَنَّةَ الشَّيطانِ حينَ نَزَلَ الوَحيُ عَلَيهِ (صلّى الله عليه وآله)، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللّهِ، ما هذِهِ الرَّنَّةُ؟ فَقالَ: هذا الشَّيطانُ قَد أيِسَ مِن عِبادَتِهِ، إنَّكَ تَسمَعُ ما أسمَعُ وتَرى ما أرى، إلَّا أنَّكَ لَستَ بِنَبِيٍّ، ولكِنَّكَ لَوَزيرٌ، وإنَّكَ لَعلى خَيرٍ، ولَقد كُنتُ مَعَهُ (صلّى الله عليه وآله) لَمَّا أتاهُ المَلأُ مِن قُرَيشٍ فَقالوا لَهُ: يا مُحَمَّدُ، إنَّكَ قَدِ ادَّعَيتَ عَظيما لَم يَدَّعِهِ آباؤكَ ولا أحَدٌ مِن بَيتِكَ، ونحنُ نَسألُكَ أمرا إن أنتَ أجَبتَنا إلَيهِ وأرَيتَناهُ عَلِمنا أنَّكَ نَبِيٌّ ورسولٌ، وإن لَم تَفعَل عَلِمنا أنَّكَ ساحِرٌ كَذَّابٌ، فَقالَ (صلّى الله عليه وآله): وما تَسألونَ؟ قالوا: تَدعو لَنا هذهِ الشَّجَرَةَ حَتَّى تَنقَلِعَ بِعُروقِها وتَقِفَ بَينَ يَدَيكَ، فَقالَ (صلّى الله عليه وآله): إنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، فَإن فَعَلَ اللّهُ لَكُم ذلِكَ أتُؤمنونَ وتَشهَدونَ بِالحَقِّ؟ قالوا: نَعَم. قالَ: فَإنِّي سَأُريكُم ما تَطلُبونَ، وإنِّي لَأعلَمُ أنَّكُم لا تَفيؤونَ إلى خَيرٍ، وإنَّ فيكُم مَن يُطرَحُ فِي القَليبِ، ومَن يُحَزِّبُ الأحزابَ ثُمَّ قالَ (صلّى الله عليه وآله): يا أيَّتُها الشَّجَرَةُ إن كُنتِ تُؤمنينَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخِرِ، وتَعلَمينَ أنِّي رَسولُ اللّهِ، فَانقَلِعي بِعُروقِكِ حَتَّى تَقِفي بَينَ يَدَيَّ بِإذنِ اللّهِ، فَوَالَّذي بَعَثَهُ بِالحَقِّ لَانقَلَعَت بِعُروقِها، وجاءَت ولَها دَوِيٌّ شَديدٌ، وقَصفٌ كَقَصفِ أجنِحَةِ الطَّيرِ، حَتَّى وَقَفَت بَينَ يَدَي رَسولِ اللّهِ (صلّى الله عليه وآله) مُرَفرِفَةً، وألقَت بِغُصنِها الأعلى عَلى رَسولِ (صلّى الله عليه وآله)، وبِبَعضِ أغصانِها عَلى مَنكِبي، وكنتُ عَن يَمينِهِ (صلّى الله عليه وآله)، فَلَمَّا نَظَرَ القَومُ إلى ذلِكَ قالوا عُلُوَّا وَاستِكبارا: فَمُرها فَليَأتِكَ نِصفُها ويَبقى نِصفُها، فَأمَرَها بِذلِكَ، فَأقبَلَ إلَيهِ نِصفُها كَأعجَبِ إقبالٍ وأشَدِّهِ دَوِيَّا، فَكادَت تَلتَفُّ بِرَسولِ (صلّى الله عليه وآله)، فَقالوا كُفرا وعُتُوَّا: فَمُر هذا النِّصفَ فَليَرجِع إلى نِصفِهِ كَما كانَ، فَأمرَهُ (صلّى الله عليه وآله) فَرَجَعَ، فَقُلتُ أنا: لا إلهَ إلَّا اللّهُ، إنِّي أوَّلُ مُؤمنٍ بِكَ يا رَسولَ اللّهِ، وأوَّلُ مَن أقرَّ بِأنَّ الشَّجَرَةَ فَعَلَت ما فَعَلَت بِأمرِ اللّهِ تَعالى تَصديقا بِنُبُوَّتِكَ، وإجلالًا لِكَلِمَتِكَ، فَقالَ القَومُ كُلُّهُم: بَل ساحِرٌ كَذَّابٌ، عَجيبُ السِّحرِ خَفيفٌ فيهِ، وهَل يُصَدِّقُكَ في أمرِكَ إلَّا مِثلُ هذا؟! (يَعنونَني)»(59).
في الحاضر: من يلاحظ الأعمال المستحبة في يوم المبعث من كل سنة والثواب الجزيل عليها يتيقّن بأنّ الله تبارك وتعالى أراد لنا الارتباط بالبعثة حيث أنّها أعظم نعمة من الله (عزّ وجلّ) من بها على الوجود (نعمة البعثة متكونة من نعمة المعرفة بالله تعالى ونعمة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) ونعمة أهل البيت (عليهم السلام) ونعمة القرآن الكريم)، وأراد لنا الله (عزّ وجلّ) أن نتفكر في ما بعث به، ونستشعر ذلك بقلوبنا وعقولنا، ونواصل المسير جيلاً بعد جيل.
والحمد لله له وحده لا شريك له، وصلى الله على رسوله والأئمة الميامين من آل بيته.
الشيخ عماد علي الشعلة
المصدر: موقع رسالة القلم
(1) سورة المائدة: 31.
(2) سورة الإسراء: ٥.
(3) سورة الكهف: 19.
(4) سورة البقرة: ٥٦.
(5) سورة هود: ٧.
(6) نهج البلاغة ج1 الخطبة 1 ص43.
(7) نهج البلاغة ج1 الخطبة 1 ص44.
(8) نهج البلاغة ج1 الخطبة 88 ص184.
(9) الأنبياء: 25.
(10) النساء: 41.
(11) التوبة: 105.
(12) إبراهيم: 5.
(13) إبراهيم: 6.
(14) نهج البلاغة ج1 الخطبة 1 ص43.
(15) النساء١٦٥.
(16) نهج البلاغة ج1 الخطبة 1 ص43.
(17) نهج البلاغة ج2 الخطبة 142 ص292.
(1) إبراهيم: 4.
(19) الروم: 47.
(20) البقرة: 213.
(21) نهج البلاغة ج1 الخطبة 1 ص43.
(22) البقرة: 213.
(23) النساء: 88.
(24) الشورى: 48.
(25) سورة هود: ٧.
(26) المائدة: 35.
(27) بحار الأنوار ج8 ص 108.
(28) بحار الأنوار ج11 ص 40.
(29) الأنفال: 24.
(30) الزمر: 71.
(31) الرعد: 30.
(32) الحديد: 25.
(33) يونس: 47.
(34) الأنبياء: 107.
(35) الأحزاب: 40.
(36) القلم: 4.
(37) بحار الأنوار ج16،ص210،ج71،ص382.
(38) بحارالأنوار ج69،ص405.
(39) بحار الأنوار ج69،ص375وج71،ص420.
(40) بحارالأنوار ج17،ص138.
(41) الاحتجاج ص162.
(42) الجمعة: 2، وآل عمران: 164، البقرة: 129.
(43)البقرة 151.
(44)الأحزاب 21.
(45) البقرة: 129، آل عمران 164، الجمعة: 2.
(46) البقرة: 151.
(47) الصف: ۹.
(48) سـبأ: 28.
(49) الاحتجاج ص162.
(50) بحار الأنوار ج8 ص 108.
(51) نهج البلاغة ج1 الخطبة 1 ص44.
(52) بحار الأنوار ج8 ص 108.
(53) آل عمران: 164.
(54) بحار الأنوار ج8 ص 108.
(55) انظر إلى ما سبق تحت عنوان: تساؤلات حول البعثة: لماذا تمّ اختيار ذلك الزمان والمكان؟
(56) فضائل الأشهر الثلاثة ص35، وللمزيد راجع الوسائل الجزء7.
(57) السيرة الحلبية 384:1 وفي آخره دعم لدعوى الشعبي.
(58) أصول الكافي ج2 ص628.
(59) نهج البلاغة ج2 الخطبة 192 ص411- 413.